صرخ متلفت من قاعة العرض راكضا في الممر ، باحثا عن سارق لوحته فلم يجد أحد . جلس على سلم باب الخروج يبكي بحرقه .
عاد الى البيت مكسور القلب ، استقبلته أمه،احتضنته بحنان وسئلتة: ما بك؟
فقال والدموع فى عينيه: ذهبتُ بلوحتي الى معرض مسابقة الرسم بعد أن قضيت شهرين أرسمها ، وقد سرقت - ارسم الثانية . ما المشكلة ؟ أجابهامنتحبا:سيفتتح المعرض بعد 3 أيام ، غير كافية لأُكمل لوحة مثل لوحتي التي ضاعت - وماذا رسمت فيها ؟ -رسمت فيها صليب خلفه شمس ساطعة وطيور تحلق حوله وفراشات تحط على حافاته - لا تبكي ارسم غيرها بسرعة وستفوز - حسنا سأرسمها من أجلك لأني لا أُصدق انه ممكن ان أفوز .
جلس منكبا راسما لوحته الثانية وانتهى قبل الفجر بقليل .وبدت لسرعة رسمها ولحزنه ، غير منضبطة الخطوط ، كئيبة ، فلم يكن بمقدوره سوى إعادة رسم الصليب فقط ، الذي بدا يبعث الكآبة في النفس.
حملها في الصباح ليريها لأُمه ، قبلته وقالت إسرع بها الى القاعة. سألها : هل سيقبلون بها ؟ قالت له : إسرع وستعرف .أسرع بلوحته ودخل الى قاعة العرض فاستقبله مدير المسابقه هاتفا : أين لوحتك يا شادي ؟فرفعها : ها هي يا سيدي .
نظر المدير للوحة- ما هذا لوحتك غير صالحة لأن تُعلق في المعرض. -أرجوك سيدي علقها إرضاء لأُمي، أنا مقتنع انها غير صالحة أيضا - حسنا … حسنا هناك زاوية خافتة الإضاءة مضطر لتعليقها فيها لئلا تشوه إطلالة بقية اللوحات ولأنه لا يعقل ان أحدا سيسير باتجاهها ليتطلع اليها- موافق يا سيدي .
وأثناء خروج الطفل رأى لوحته الاولى معلقة في موضع رئيسى من القاعة بجانب شباك عملاق الشمس شارقة من خلاله بأشعتها على لوحته مضيفه اليها بهاء كان منظرها ساحراً .و تحمل اسم سارقها قام بطلاء اسم شادي بالألوان المائية وكتب اسمه.
عادت عيناه تدمع وخرج دون أن ينطق بحرف لأنه غير قادر على إثبات انها لوحته فاسمه مُحيَّ منها .
عاد للبيت وحكى لأمه. قبلته قائلة: ولا يهمك صلي الى الرب يسوع هو الذي سيساعدك على أن تكون من الفائزين .
فأجابها الطفل ضاحكا: أيعقل أن تفوز لوحتي القبيحة. أنا اللي رسمتها وأعرف انه يستحيل تفوز .- نعم ستفوز لو طلبت من ربنا يسوع اطلب منه - وماذا سأقول له ؟- تكلم معه مثل ما تتكلم معي.
ركع وصلى-سيدي يسوع أنا أعرف ان ليس هناك أمل في الفوز أرجوك أن تكون معي ولكن لا أدري كيف وإذا لم تستطع أن تفعل شيئا … أرجوك لا تحزن لأني أعرف ان لوحتي لن ينظر اليها أحد لأنها عُلقت في زاوية بعيدة خافتة النور كي لا تؤثر على جمال اللوحات .أشكرك يا ربي يسوع لأنك سمعتني فقط ، لأني أعرف انه ليس هناك حل ممكن لمثل هذه المشكلة .ونام
حضر شادي الى قاعة العرض مصطحبا أُمه ، دخلها وهو ينظر بحزن للوحته الكئيبة المنزوية، معاودا اختلاس النظر للوحته المسروقة وهي تتوسط القاعه
كان يوما بارداً والسماء ملبدة بالغيوم ،بدأ الزائرون يتوافدون على صالة العرض الغارقة بأضواءو جزءً منها مسلط على اللوحة المسروقة ،قام المشرف بفتح الشباك ونتيجة للبرودة الطاغية خارج القاعة دخل ثلاث طيور مغردة صغيرة حطت فوق عدد من كوات الانارة، محتمية بدفئها.
اكتمل تجمع الزائرين، أُغلقت الأبواب بدأت أصوات البرق تعلو منذرة بعاصفة . وفجأة انقطع نور التيار الكهربائي .وساد ظلام المكان ، واستمر البرق، و بدا للزائرين وكأن لوحة شادي ، المعلقة بعيدا عنهم في زاوية مظلمة ، تنير أرجاء المكان . لقد انبعث نور مضيء من صليبها الوحيد .استدارت رؤوس الزائرين جميعهم نحو اللوحة وتعلقت العيون بالنور المنبعث من الصليب.وتدافعت الأقدام باتجاه اللوحة ليستطلعوا مصدر النور الذي أنار ظلام ليلتهم. وكلما زاد دوي البرق ، زاد دفق النور المنبعث من تلك اللوحة حتى تأكد للناظرين اليها بانها ، تلك التي خالوها كئيبة في أول الأمر ، هي مصدره . للنور المنبعث من صليبها تركت الطيور الثلاث أماكنها العالية ورفرفت بأجنحتها الصغيرة حول نور الصليب الممتد في وسطها ، وسمع الحاضرون تغريدا عذباً صادرا من قلب اللوحة . الذي أُلبست ثوب جمال قلَّ نظيره .
حتى شادي ، لم يصدق ما يجري أمام عينيه و أطال النظر الى لوحته البعيدة ، وهو فاغرا فاه اندهاشا ، ومن الليل المظلم الذي تحول في لمحة الى نهار ، من النور الخارج من بين خطوط ألوانها الغامقة ملامسا لصفحة وجهه الجميل ، والذي لا يفهم لأصل انبعاثه سببا
وأثناء الظلام ودون أن ينتبه أحد تطاير رذاذ المطر من الشباك المفتوح داخلا الىالقاعة ليضرب سطح لوحة شادي المسروقة ونجح الفنيون في إيصال نور التيار الكهربائي، وأسرع مشرفها الى غلق شباكها ليكتشف ان ماء المطر الذي انساب فوق ألوان اللوحة قد أزال طبقة الألوان العلوية الحديثة التي استعان بها السارق ليمحو اسم صانعها الحقيقي ، وليظهر اسم شادي تحتها يتلألأ وكانت مكافأة شادي في نهاية ليلته الساحرة هذه هي … الفوز.
عاد شادي لأول مرة مطمئنا بصحبة أُمه الى بيتهما وقبل أن يدخلا قالت له أُمه ويدها تحتضن بمحبة كف ولدها:-ألم أقل لك انك ستفوز .
فأجابها شادي مبتهجا ضاحكا:- لم أفز أنا يا أمي … لقد فاز يسوع ]
منقووول