قداسة البابا شنودة الثالث
أنه لاشك شيء مفرح أن يعطينا الله مانطلب، وأكثر من هذا أن يعطينا فوق مانطلب. ولكن أعمق الفرح هو أن يعطينا الله دون أن نطلب. وهذه عمق الرعاية الالهية، التي يهتم فيها بخليقته. فيعطيها من فيض محبته، وليس لمجرد الاستجابة لصلواتهم. وهذا الأمر واضح منذ البدء.
بديهي أن الله خلق البشر دون ان يطلبوا. لأنهم لم يكونوا موجودين حتي يطلبوا الوجود. وبنفس جود الله وكرمه خلق جميع الكائنات الأخري العاقلة والجامدة، التي لها حياة والتي ليس لها. طبعا دون أن تطلب. لقد خلقها كلها من العدم، والعدم ليس له كيان لكي يطلب. ونحن كبشر حينما خلقنا الله، وهبنا العقل والضمير دون أن نطلب. واعطانا السلطة علي كثير من الكائنات ومن الطبيعة دون أن نطلب. وابونا ادم وهبه الله حواء دون ان يطلب. كذلك لكي تكون معينة له في الأرض.
في كثير من الأمور لا ينتظر الله من البشر أن يطلبوا لكي يعطيهم. بل هو يعرف مايحتاجون اليه فيعطيهم دون ان يطلبوا. ولكي نوضح هذا الأمر في حياتنا العملية، نجد ان الطفل الصغير لايملك أن يعبر عن جميع احتياجاته. ولكن اباه يعلم ويفهم ماذا يحتاج اليه ابنه، فيعطيه دون ان يطلب. وهكذا نحن مع خالقنا الكلي الحكمة والكلي الحنو والرحمة والشفقة. هو ادري بما نحناج اليه ويدبر كل احتياجاتنا دون ان نطلب. بل ويدبر احتياجات الأمم والشعوب والجماعات. ولا ينتظر من كل هؤلاء أن يطلبوا ... وربما لايطلبون مايفيدهم ومايفيد غيرهم معهم.
مثال اخر هو الراعي الصالح وكل راع يرعي غنمه حيث توجد احتياجاتها من العشب والماء، كذلك دون ان نطلب. ونري الله انه يرعي شعبه وكما قال داوود النبي في المزمور "الرب يرعاني فلا يعوزني شيء في مراع خضر يربضني والي مياه الراحه يوردني يهديني الي سبل البر". وهكذا الله راع الكون يعولهم ويطلب الضال ويسترد المطرود ويجبر الكسر ويعصب الجريح ويهتم بكل واحد حسب احتياجه. وما اكثر الأمثلة في الكتاب وفي التاريخ عن رعاية الرب للبشر.
ان الله يشبع كل حي من رضاه. هو يرسل المطر والشمس ويدبر امور الناس من جهة الكون، ويعطي الطعام لكل ذي جسد. حتي للملحدين الذين لايؤمنون به وبالتالي لايطلبون منه شيئا. بل الله يعطي أيضا جمالا لزنابق الحقل، وصوتا جميلا لكثير من الطيور، طبعا بدون طلب، وليس بسبب استحقاق الخليقة. وانما هو جود الله وكرمه.
والله - تبارك اسمه - من فرط جوده ايضا وعد الناس بالنعيم الأبدي "بما لاتراه عين ولم تسمع به اذن ولم يخطر علي بال انسان. وطبعا من المستحيل ان احدا كان يطلب مالم يخطر علي باله. اننا قد نطلب نعيما ولكن هذه الصورة بالذات هي فوق مانطلب بكل تفاصيله دون ان نطلب.
+++
صلوا من اجل ضعفي