كتبت هند سليمان
بعد 40 عاما مرت على جلوس قداسة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقصية على كرسى البابوية فى الكاتدرائية المرقصية الكبرى بالقاهرة فى 14 نوفمبر 1971، كان فيها البابا شنودة رمزا جديرا بالاحترام لدوره فى إزالة أى احتقان بين المسلمين والمسيحيين، وعرف فيها النضال والتعب، أكد البابا شنودة أن صحته بخير وأنه لا أساس من الصحة لما نشر عن إصابته بأمراض فى الكبد، مؤكدا أن الهدف من وراء نشر خبر كهذا قد يكون اهتمام بعض الصحف بعنصر الإثارة والسعى خلف السبق الصحفى.
وعما أثير حول قرب وفاة البابا واستعداد قساوسة آخرين لخلافته، قال قداسته إن " كل إنسان فانى.. يخاف الموت من لا يستعد له.. لكن المستعد للموت يعتبره جسرا بين الحياة الدنيا والآخرة.. وفى الإسلام قيل "اعمل لآخرتك كأنك تموت غدا.. وفى صلواتنا السبع دائما ما نذكر الموت.. والحديث عن الخلافة وتوريث البابوية فيه عدم لياقة"، موضحا أن مسألة اختيار البابا تمر بمرحلتين، قائلا: "الترشيح للبابوية بحسب قانون الكنيسة الأرثوذوكسية، يتم بأن ينتخب المرشح من أعضاء المجمع البابوى، ثم يتم وضع أسماء الثلاثة رهبان الأكثر حصولا على الأصوات داخل صندوق بغرفة مظلمة، ويقوم طفل صغير لا يقل عمره عن خمس سنوات باختيار أحد الأسماء حتى لو كانت الأقل فى عدد الأصوات".
وعما إذا كان يزكى مرشحا معينا فى خاطره، قال البابا شنودة: " أنا لا أعين شخصا محددا.. هذا يذكرنى بقصة فى الإسلام عندما ذهبوا للخليفة عمر بن الخطاب فقالوا له "من الذى تحبه أن يخلفك؟ فقال "لا أريد أن أحمل مسئوليتها حيا وميتا،، وأنا كذلك لا أحب أن أتحمل مسئولية البابوية حيا وميتا"، مستطردا "أما إذا كان لدى أحدهم شهوة فى البابوية ولجأ إلى جهات عالمية.. فأنا أرفض هذا تماما لأنه فى هذه الحالة لن يملك قراره وسيحصل على البابوية فى مقابل تقديم خدمات لهذه الجهات على حساب الأقباط فى مصر.
وحول ما قاله قداسته عن ظهور السيدة مريم العذراء بكنيسة الوراق، قال البابا شنودة إن "السيدة العذراء ظهرت مرات عديدة وكانت أكثرها على كنيسة السيدة العذراء بالزيتون عام 1968 ورآها لمدة شهور.. واحتشد مئات الآلاف من المسلمين والمسيحيين والأجانب لرؤيتها والتبارك بها، لدرجة أن الدولة دبرت وسائل مواصلات لنقل الناس الذين عبروا أقطار مختلفة وبعيدة ليروا السيدة العذراء"، موضحا أنها " كانت على هيئة نور فوق مستوى النور العادى وكانت تظهر فوق الكنيسة وتحيى الناس وتباركهم .. وتجلت معجزاتها عليهم فى الشفاء والنجاح.. كما رأتها شخصيات مرموقة فى الدولة من بينهم الرئيس جمال عبد الناصر".
وأضاف البابا أن "السيدة العذراء ظهرت كذلك فى بابادوبلو فى شبرا وفى أسيوط وبين كل ظهور والآخر حوالى 15 عاما تقريبا حتى الظهور الأخير فى كنيسة الوراق"، متوجها بالسؤال لكل من أنكر ظهور السيدة العذراء: " إذن من أين أتى هذا الضوء المبهر وإلى أين ذهب؟ حتى الحمام الذى ظهر فجأة ولا يعرفون من أين جاء وإلى أين ذهب؟".
وفى إشارة لما صرح به بعض مسئولى الكنيسة الإنجيلية حول استخدام الليزر لخداع الناس وجذب المزيد من المسيحيين للكنيسة الأرثوذكسية لافتقادها بعض المريدين، قال قداسته: " ليس كل الإنجيليين لأن راعى كنيسة الدوبارة الإنجيلية اعترف بتجلى السيدة العذراء، أما الكهنة الآخرون فأنكروا لأنهم لا يؤمنون بشفاعات القديسين فطبقوا ما يعرفونه على الواقع الذى لا يجدون له تفسيرا فى نفوسهم"، مشيرا إلى أن أستاذ دكتور أكد أن الليزر لا يتحرك بهذه الطريقة، مضيفا "أما الكنائس فهى دائما ممتلئة .. وأوقات نقوم بأكثر من قداس.. وذلك يمكن لأن الكنائس قليلة.. فالناس تملأ الكنائس فى كل وقت لأن الأغلبية لا تعطيهم حقهم فما أمامهم سوى التضرع للرب".
وأكد البابا أن المسيحيين فى مصر يتعرضون للتمييز العنصرى، مشيرا إلى أنه عندما يسأله رجال الصحافة والأجانب عن وضع الأقباط فى البرلمان المصرى، فيجيب "الرئيس مبارك يعين 5 أقباط" إلا أنهم يسألونه عن وصولهم البرلمان عن طريق الانتخابات، منوها " نحن شعب نسيج واحد لكن فيه الأبيض والأسود.. أين أيام سعد زغلول؟"، موضحا أن الناخب المسلم الآن أصبح ينظر إلى اسم المرشح وديانته دون الالتفات إلى برنامج المرشح الانتخابى، مؤكدا أن " هذا الأمر بات مكشوفا للعالم كله.. وعدم وجود عضو مسيحى بالانتخاب تحت قبة البرلمان يسيئ إلى سمعة مصر عالميا.. أنا لا أتحدث عن الكوتة.. بل عن المشاعر بين الناس وبعضها.. لا يوجد مسلم يرشح مسيحيا.. والسبب أنه فى وقت من الأوقات اشتعلت نار دينية تهاجم الأخرس فى الطرفين"، إلا أنه قال: " لم أر أحدا من المسيحيين يستطيع أن يهاجم عمليا.. وإذا وجد تطرف بين المسيحيين يكون فكريا أما الفعل فلا يستطيع خوفا من المتطرفين المسلمين".
وأضاف: "ذات مرة قلت إن وجود مجلس محلى به 30 عضوا بينهم اثنان مسيحيان لن يستطيعا أن يغيرا سياسة المجلس أو يؤثرا عليه، مضيفا: " من يريد أن يختار جرجس فليختره.. ومن يريد أن يختار محمد فليختره.. لكن دون أن يكون الاختيار على قاعدة دينية"، الأمر الذى رد عليه الإعلامى عمرو أديب بالإشارة إلى أن نائب الزيتون التى سجل بها الحوار هو النائب المسيحى زكريا عزمى.
وأوضح قداسة البابا أن المسيحيين يتعرضون للتمييز كذلك فى التعيينات الحكومية، مشيرا إلى أنه بعد شهور قليلة من جلوسه على كرسى البابوية وبالتحديد فى فبراير 1972، فوجئ بشكوى من شاب وفتاة كانا من أوائل الدفعة فى كلية الزراعة جامعة الإسكندرية فى أقسام مختلفة، تجاوزتهما الكلية فى التعيين كمعيدين، وفى هذه السنة اختارت الكلية 14 معيدا من أقسام أخرى، وقالوا للشاب والفتاة إن الكلية ليست فى حاجة لتعيين معيدين جدد فى هذه الأقسام، إلا أنها فى السنة التالية قامت بتعيين بعض المعيدين فى الأقسام التى تنتمى إليها الفتاة والشاب.
وأشار البابا إلى لقائه بالرئيس السابق محمد أنور السادات الذى كان شديد الغضب حينها من تصرفات أقباط المهجر، فقال له قداسته: " يا ريس حينما نحكم على أولادنا فى المهجر لابد أن نحكم عليهم من ناحية الجو الذى يعيشون فيه وليس بحسب الجو عندنا فى الداخل.. فهناك عندهم حرية انتقاد الرئيس وسبه أحيانا.. أما نحن فنحترم رئيس الدولة ونوقره"، مشيرا إلى أنه أكد للسادات وقتها أن هذا هو منهج أقباط المهجر فى التعامل مع إخوانهم المسيحيين بالداخل، مضيفا :"ياريس أولادنا فى المهجر أيضا يقرأون الجرائد ويقصون القصاصات.. فعندما يجدون فى الجريدة حركة تعيينات مقتصرة على المسلمين يقصونها ويكتبون بأسفلها "واضح أن المعينين من الأقباط قلة".. فكيف أهاجمهم وهم ينطقون بالحق؟"، مشيرا إلى أن ندرة تعيين المسيحيين أدت إلى هروبهم لتنمية اقتصاد خاص بهم.
ورأى البابا أن المسيحيين يتعرضون كذلك لتمييز فى بناء الكنائس، مشيرا إلى أنه بمجرد طرح فكرة بناء كنيسة يهيج الخيط الآخر من النسيج فيصل الأمر إلى جهات الأمن التى تخلص إلى قول " حالة الأمن لا تستدعى"، قائلا إنه"عندما لا نجد كنيسة ونصلى بالبيت يهاجمون البيت قائلين كيف تصلون فى البيوت"، لافتا إلى أنه فى أواخر 1972 زاره الرئيس السادات لأول مرة وتحدث مع قداسته فى موضوع بناء الكنائس، قائلا له " أخبرنى كم كنيسة تحتاج وأنا سأبنى لك عشر كنائس إضافية للرقم الذى ستحدده"، فرد قداسته قائلا " إنه فى مصر حوالى 20 محافظة فهل من الممكن أن تتكرم ببناء كنيستين فى كل محافظة" فوافق السادات قائلا له " حسنا لك عندى 50 كنيسة".
وفى لقاء جمع بينه وبين الرئيس السادات ورئيس الوزراء حينها ممدوح سالم، أوضح البابا للسادات أنه على الرغم من صدور قرار جمهورى، إلا أنه لا يستطيع أن يبنى كنيسة واحدة، قائلا " على سبيل المثال حاولنا بناء كنيسة فى العياط وقدمنا كل الأوراق الرسمية ووجدت الداخلية أنه لابد من استصدار قرار جمهورى.. فاستصدروا القرار.. إلا أنه عند حفر الأساسات قاموا عليهم المسلمون بالأسلحة البيضاء مفتعلين إشكالا قانونيا حول ملكية الأرض.. فقرر المحافظ أن تتوقف أعمال البناء وننتظر حكم المحكمة لطالما هناك إشكال على ملكية الأرض.. وحتى الحكم يكونون قد شيدوا مسجدا.. فيأتى المسئول ويقول غير معقول أن نهدم مسجدا.. فيبحث المسيحيين عن أرض أخرى لبناء كنيسة فتظهر بها نفس المشكلة"، مشيرا إلى أنه ذات مرة فى حديثه مع السادات قال إن"عندنا كنيسة يطلق عليها كنيسة الـ 14 جامعا حيث تكرر السيناريو وتركوا 14 قطعة أرض حتى استطاعوا بناء هذه الكنيسة".
وعن علاقة الكنيسة بالدولة، قال قداسة البابا إن" المسيحيين لم ينقلبوا أبدا ضد السادات أو أى رئيس لأن عقيدتهم ومبادئنا الروحية حثتنا على ألا نهاجم رئيس الدولة، إلا إذا تمت محاربتنا فى ديننا حينها ينبغى أن يطاع الله"، مجددا تأكيده على أن " جمال مبارك شاب مناسب فعلا" إلا أنه قال إن هذا لا يعنى أنه يوصى المسيحيين باختيار جمال مبارك، فاختيارهم ينبع أولا وأخير من اقتناعهم بالمرشح.
وحول إمكانية استغلال تكتلهم كورقة ضغط لتحقيق أهداف سياسية للأقباط كما يحدث فى لبنان، قال البابا شنودة إنه " فى البلاد الأخرى تثبت الأقليات قوتهم بالعنف والهياج بما لا يتفق مع مبادئ الأقباط وما نصت عليه عقيدتهم من وجوب طاعة رئيس الدولة"، مشيرا إلى أن الحل "هو أن تصلح الدولة من حال الأقباط لأنه إذا لم يصلح حالهم ستتعرض مصر لانتقادات دولية".
وحول ما تردد عن حملة تنصير يقوم بها بعض القسيسين فى الريف المصرى، قال البابا " التنصير يعنى اختراع مشكلة ليس لها وجود.. وإلا ليتهم يقولون لنا كم عدد الشبان المسلمين الذين تم تنصيرهم.. هذا اختراع للتغطية على أسلمة الكثيرات من الفتيات المسيحيات.. كما أنه لا يوجد إنسان يستطيع أن يتنصر فى مصر لأنه إذا كان هناك قانون يحميه فهناك على الجانب الآخر جماعات تهدد حياته بالاغتيال"، إلا أنه قال " إذا كان عندكم فى الإسلام فى أمر مباشر بالدعوة والتبشير لماذا يضايقكم إن الديانة المسيحية يكون فيها أمر بالتبشير".
وعن إساءة قساوسة فى المهجر للإسلام وبخاصة القس زكريا بطرس، قال قداسته " لا يوجد قساوسة يهاجمون الإسلام فى مصر.. أما فى الخارج فليس لنا حكما عليهم.. وفى حالة شلح أحدهم سيطالب المسيحيون المسلمين بالمثل.. فهناك عشرات المسلمين يهاجمون المسيحية فى كتب ومجلات مطبوعة .. وما أسهل أن يقول أحد المسلمين إن الإنجيل كتاب سماوى محرف.. وأنا بصراحة لا أستطيع أن أقدم على هذه الخطوة فإذا لم يتكلم أحد ضدى فهناك من سيفكر ضدى.. لا تعتقد أن منع الناس من الكلام يمنعهم من الفكر.. على الأقل سيقولون إنى تهاونت فى حقهم عندما أعاقب الكاهن زكريا بطرس وأترك المسلمين يهاجمون المسيحيين".
وأكد قداسته عدم معرفته بإساءة الكاهن بطرس للإسلام، مشددا: " نحن لا نقبل الإساءة للمسلمين"، مستبعدا أن يوقف بيان منه هجوم بطرس على الإسلام، مشيرا إلى أن "أيمن الظواهرى على سبيل المثال وهو طبيب مصرى به الذكاء المصرى والانتماء للقاعدة.. ماذا تستطيع مصر أن تفعل حياله؟" الأمر الذى رد عليه أديب بالإشارة إلى أن الظواهرى محكوم عليه بالإعدام وصدرت ضده عدة أحكام أخرى من المحاكم المصرية.
وعن انطباعه عن التعامل مع الرئيس محمد حسنى مبارك، قال البابا شنودة :"عاصرت ثلاث رؤساء عبد الناصر والسادات والرئيس مبارك.. وفى رأيى أفضلهم الرئيس مبارك.. فعبد الناصر كان يؤمن بالحكم الفردى ومعاقبة أى شخص خارج عن النظام بالنفى وراء الشمس.. أما السادات فنادى بالديمقراطية القائمة على التعددية الحزبية لكنه قال إن ديمقراطيتنا لها مخالب وأنياب.. فيما أسس الرئيس مبارك ديمقراطية فعلية ظهرت فيها حرية الرأى"، مستدركا "الرئيس مبارك شخص عادل.. لكن كثيرا من أجهزة الدولة ليست بنفس الأسلوب والعدالة.. نحن نعانى من المكاتب التى تحت مبارك".
ورفض البابا الخوض فى أى حديث يخص الإخوان، مشيرا إلى أن "إفطار الوحدة الوطنية يضم كل ممثلين الدولة فيما عدا الإخوان، لأنهم لا يحبون أن يفطروا مع الكفار"، إلا أنه قال "من الذى لا يعترف بقوة الإخوان بعدما فازوا بـ88 مقعدا فى البرلمان.. لكن ما هو حجم قوتهم وقدرتهم على التنفيذ".
وختم البابا حديثه بتهنئة المسلمين والمسيحيين بالعام الجديد قائلا مخاطبا المسلمين" كل سنة وانتم طيبين وأرجو لكم كل خير وكل توفيق وأن يكون السلام بينكم وبين الجميع".
تاريخ نشر الخبر : 06/01/2010