كتب محمد حسنين هيكل عن المسلمين والاقباط قبل 10 سنوات
طال تَرَدُّدى أمام الموضوع الذى أحسست أننى أريد التَّوَقُّف معه، وليس مع غيره، فى هذا الحديث! وطال تَرَدُّدى أيضاً أمام الجِهة التى ينبغى توجيه الحديث إليها بظنِّ أو باعتقاد أنها الأوْلى به من غيرها، وأنها المسئولة عنه قبل الجميع.
والحاصل أن الموضوع الذى طال تَرَدُّدى أمامه هو ما تَبَدّى وتصاعَد فى السنوات الأخيرة من ضغوطٍ على العلاقات بين المُسلِمين والأقباط من أبناء الشعب المصرى ،والحاصل كذلك أن الجِهة التى طال تَرَدُّدى فى تَوجيه الحديث إليها هى رئاسة الدولة بالتحديد، لأنى أظنُّ وأعتقد أنها الأوْلى به من غيرها وأنها المسئولة عنه قبل الجميع.
قبل أن تقرأ ما كتبه الأستاذ
ما حدث خلال الأيام الماضية، فى ملف العلاقة بين المسلمين والأقباط يحتاج إلى وقفة تطل بصراحة على ما حدث، وتبحث جادة فى أسباب ما حدث.. من أجل وأد خطر فتنة لا يتوقف عن محاولة الوجود على أجندة هذا الوطن.
ولأن القضية خطرة وخطيرة، فبالتالى نحتاج إلى وقفة عاقلة وهادئة وعميقة تستكشف حقيقة ما يجرى فى هذه العلاقة.. وقفة تطفئ الفتنة لا تشعلها، وتقدم للرأى العام حقائق تاريخ العلاقة وخريطتها الجينية لتعرف بالضبط لماذا تحاول الفتنة دومًا الوجود فى هذا الوطن، ومن الذى يسعى لحضورها خاصة فى أوقات الأزمات السياسية الكبرى؟
ببساطة نكتشف أهمية العودة لما كتبه الأستاذ محمد حسنين هيكل، فمرة بعد مرة، يتضح لنا أن هذا الرجل قارئ للمستقبل أكثر منه محلل للماضى، فقد كتب هذا المقال قبل أكثر من عشر سنوات (مارس 2000 فى مجلة «وجهات نظر») فى ظروف مشابهة، وحينما تقرأ ما كتب هيكل تشعر وكأنه كان ممسكا بالقلم أمس، ومتابعا لما جرى أمس الأول، تشعر وكأنه تابع تصريحات الأنبا بيشوى وما قاله الدكتور العوا.. وعارفا بكل ما يجرى فى العلاقة بين الكنيسة والدولة.
الأهمية تأتى من كاتب يعرف بدقة الهدف من الكتابة، لأنه يفهم جيدا كيفية صناعة القرار.. يفهم أى قضايا هى بالضرورة من اختصاص رأس الدولة، وهو أعلن بوضوح أن الدين والنيل على قمة أولوياتها، وتدخلها واجب لأنها قضايا مصيرية.. الماء والدين وكلاهما يمثل الحياة. «العيش والمعايشة» وبدونهما لن يكون هناك وطن.
يكشف الأستاذ فى هذا المقال ما كان بين الرئيس عبدالناصر والبابا كيرلس والرئيس السادات والبابا شنودة.. ويكشف عبر التاريخ الديانتين المسيحية والإسلام اللتين تجريان فى دماء الوطن. مثلهما مثل جريان النيل.. يذهب هيكل إلى جنبات التاريخ محللا لما حدث فى الماضى، قارئا لما يحدث اليوم، كاشفا بالأمثلة كيف تلعب بعض العناصر الداخلية على حبل الفتنة ومتى تتقن لعبتها؟.. وكيف تعبث بعض العناصر الخارجية فى متن هذه العلاقة (المسلمين والأقباط) ولماذا؟.
هيكل كتب ما كتب.. قبل عشر سنوات.. ولم يكن بيشوى قد تكلم ولم يكن العوا قد رد.. كتب هيكل عن النيل والخطر القادم له.. ولم تكن دول الحوض قد أعلنت عن رغبتها فى إعادة توزيع حصص المياه.. ولم يكن النائب الأمريكى (الجمهورى) فرانك وولف قد قدم مشروع قرار للكونجرس يطالب بتعديل وضع الأقباط فى مصر.
«عن المسلمين والأقباط» مقال يطلق نوبة صحيان عالية فى مواجهة حالة عصيان هادرة ضد تعايش طبيعى يجرى فى تاريخ الوطن مثلما يجرى النيل فى أراضيه.
عمرو خفاجى